الأحد، 26 ديسمبر 2010

إمام المسجد يخشع

"تقبل الله ، تقبل الله"
بهذه الكلمات ودع الإمام جموع المصلين الذين أدوا خلفه صلاة العصر . وبدا حرم المسجد يفرغ من المصلين بينما بقي الإمام الشاب جالسا مع احد الشبان المواظبين على الصلاة خلفه يشرح له بعض الأحكام السماوية بناء على طلبه.
وبعد ان انهى شرحه ودعه الشاب وخرج من المسجد شاكرا الله على النعم التي وهبه اياها.
وهمّ الامام بالخروج من المسجد الا ان سيدة تناهز الثلاثين تضع منديلا على راسها يكشف جزءا من شعرها الأمامي دخلت المسجد واستوقفت الشيخ قائلة: السلام عليكم !
نظر الامام الى وجهها الحسن الذي استطاعت غبار الدهر ان تخفي بعضا من جماله بعد ان انكشف له فور سماع صوتها ، ورد السلام بخشوع  قائلا: اهلا يا اختي ، بم اخدمك؟
قالت بنبرة تثير الشفقة : يا شيخ ، ساعدني ارجوك ساعدني ..
فرد الامام الذي اعتاد ان يزوره الناس ليحلوا مشاكلهم ببركاته : قد وصلت يا اختي ، فما مشكلتك؟
قالت السيدة والدموع بدأت تتجمع في عينيها : أرجوك ان تتحدث إلي كما عهدتك بدون تكلف !!
بغت الإمام مما سمعه لكنه رد بسرعة : حسنا كما تشائين !
فواصلت كلامها بنبرة حزينة:  أنت تعلم جيدا بأن زوجي عاطل عن العمل ، وليس لدينا ما نؤمن به قوت يومنا ، وأطفالي ثلاثة و..
 فقاطعها الإمام وقد خشع من هول الموقف : لا تقلقي ، عودي إليّ عصر يوم الجمعة ، وسأكون قد وفرت لك مبلغا تستطيعين من خلاله أن تسدي به رمق أطفالك ، وان سالك زوجك – سامحه الله على هذا الإهمال- عن مصدرها قولي هي من عند ربي . فان لم يصدق وألح في السؤال اخبريه بأنني شاهد على ذلك وأرسليه إليّ للتأكد.
شكرت السيدة الإمام وعادت أدراجها الى بيتها تمسح دموعها .
عصر الجمعة حضرت السيدة إلى المسجد عند الإمام لتحصل على المبلغ الذي وعدت به ، وكان الإمام يجلس مع بعض الرجال فأشارت له فطلب المعذرة من مجلسه وخرج إليها وقال لها هامسا: إن المبلغ قد توفر ، وحتى لا أحرجك أمام الجالسين سألاقيك – ان استطعت الحضور بمشيئته تعالى- عند التلة المشرفة على المدينة عقب صلاة العشاء . فأخبرته بأنها ستتوجه الى هناك حال سماعها آذان العشاء ، فابتسم في وجهها وابتسمت في وجهه كإعلان اتفاق ثم انصرفت هي دون ان تفارق الابتسامة وجهها ، بينما تمتم الامام بما يشبه الأدعية والاستغفارات وعاد إلى صحن المسجد يمسح لحيته بكف يده .

وفعلا- وبمشيئته تعالى - التقى الاثنان عند التلة المشرفة على المدينة بعيدا عن الانظار ، كان الامام قد حضر بأبهى حلة واروع طلة  و رائحة عطر فرنسي رجولي مثير تفوح منه ،  فطلب منها ان تدخل سيارته الجديدة وتجلس بجانبه .
فجاة استحوذ على عقله بعض التردد وعلت في ردهات دماغه اسئلة حول الحلال والحرام ، الا ان صوتا خفيا علا من داخله ورجّح كفة الحرام معللا ذلك بان كفة الحلال كانت ثقيلة راجحة لفترة زمنية طويلة ، فلا مانع من فقدان التوازن لساعة واحدة جميلة ممتعة .
أما السيدة الشابة ، التي حضرت بلباس مثير يبرز مفاتن جسمها المكتنز بحيث يخطر على بال من يراها بهكذا لباس سؤال حول كيفية قيامها بارتدائه دون ان يتمزق ، فقد لبت طلب الامام فورا وفتحت باب السيارة الفخمة التي رزقها الله للإمام وجلست بجانبه نزولا عند رغبته ، فمد الشيخ يده الى المقعد الخلفي وتناول كيسا مصنوعا من القماش الاسود طرزت عليه اية الكرسي بخيوط ذهبية والقاه في حضنها قائلا :
هذا المبلغ الكبير لا أوفره إلا لمن أفصحت عيونهم الجميلة لي عن حالتهم الصعبة
وكوني أعرفك شخصيا منذ أن كنا زملاء على مقاعد الدراسة  ، فإنك ما زلت تحتفظين بنفس النضارة التي كنت عليها منذ اكثر من 15 عاما لذا فإنني أتفهم حالتك وأتمنى لك التوفيق من عند الله.
قال الامام هذا الكلام وهو يتأمل كل جزء من جسمها البارز وهرموناته الذكرية في ثورة لم يعهدها منذ اكثر من 15 عاما ايضا.

كانت الدهشة قد استولت عليها لضخامة المبلغ الذي وضع في الكيس الاسود الذي طرزت عليه آية الكرسي بخيوط ذهبية ، فانهمكت بتأمله ولم تلتفت الى كلام الامام  ثم رفعت رأسها وقالت مبتسمة : أشكرك يا الله ، لكن ألا تعتقد أن المبلغ اكبر مما توقعت؟
فرد عليها بينما عيناه تختلس النظر في ظلمة المساء الصيفية على ما يبرز من لحم صدرها الابيض المكتنز الذي يلمع تحت ضوء البدر :
 انك تستحقين هذا المبلغ ، فقد أفنيت عمرك مع زوج لا يستحق امرأة جميلة مثلك ، لا ادري كيف طاوعتك نفسك آنذاك وقبلت به زوجا !!!
اقتربت منه وقالت : لا تلمني على جهلي ! كنت عمياء وليتني لم افعل ! لا تنس بانك لم تفعل شيئا حيال ذلك ، بل دفع بك قلبك المحبط الى المشيخة والامامة
وسهر الاثنان تحت ضوء البدر يتبادلان اللوم والحديث الذي تطور تدريجيا الى غزل كان كل منهما قد كبته بداخله منذ مراهقتهما على مقاعد الدراسة ، حتى وصل الأمر بهما إلى التشابك والتوحد كجسد واحد بمباركة السماء والبدر والتلة والسيارة الجديدة وكيس النقود الاسود الذي طرزت عليه آية الكرسي.
وقبل ان يفترقا ، ذكرها الإمام بان تخبر زوجها بان هذا المال من عند الله وان ترسله اليه فيما لو الح في السؤال.
لم يمر يوم على استلام المال حتى وقف أمام عتبة المسجد زوج السيدة منتظرا خروج الامام عقب صلاة العصر حاملا بيده سيجارة مشتعلة ينفث دخانها من فمه بسرعة . فما إن خرج حتى استوقفه سائلا إياه بغضب: من أين أتت زوجتي بالنقود؟ إنها تدعي أن الله أرسلها لها وبأنك على علم بذلك ! فهل جنت أم أن في الأمر ما يريب؟ قل لي بربك هل عاد زمن المعجزات؟ ام ان زوجتي نبية هذا الزمان؟
نظر الإمام إليه طويلا دون ان ينبس بكلمة ، فزاد توتر الرجل فصاح : اخبرني لماذا انت صامت؟
فنطق الامام قائلا بخشوع : اهدأ يا رجل ، ليس منا من أطفأ الغضب سراج عقله ، ان الله قد وهب زوجتك مبلغا كبيرا لقاء صبرها وتضحيتها وايمانها به وصلاتها وصيامها وقيامها .. ان الله لا ينسى أحدا ، ومن يتقيه يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ، فلا تكفر بنعمة الله بل سبحه بكرة وعشيا.
فهدأ الرجل وخشع ثم حدق في عيني الامام بعد ان ربت هذا على كتفه ثم قال: فما تفسيرك لما حدث يا شيخنا؟
وفور احساس الامام بانه قد تمكن من إدخال " الايمان" الى قلب الزوج الساذج زاد في التربيت على كتفه واضاف :
ان ما جرى يا أخا الايمان هو ان رجلا من اثرياء المدينة راى في منامه نورا يشع من السماء ويقول له :" يا هذا ، اذهب الى المسجد وهب الامام ثلث ما تملك وليمنحه هو لأول من يرى امام عتبات المسجد عقب صلاة العصر ، فلن يصل المال إلا لمن امن وصلى وصبر وصام وقام الليل.. وستجزى على ذلك في الآخرة خير جزاء"
وهذا ما حصل .. فحين استلمت المبلغ المبارك ، خرجت من المسجد فلم أر غير زوجتك امامي ، فهل وصل المال إلى عائلة غير محتاجة اليه؟!
فرد الزوج وقد اغرورقت عيناه : لا يا شيخنا ، وصلت في أوانها !! ثم رفع يديه الى السماء وقال: اشكرك يا الله على هذه النعمة ، يا رب بارك هذا الشيخ البار واغفر لي ذنوبي وسامحني ان كنت قد أسأت الظن في زوجتي..
خشع الامام وطأطأ رأسه في الارض أثناء الدعاء مسبحا الله ، فلما انتهى الزوج من الدعاء عانق الامام وقبله في جبينه ، وتعهد ان يصلي العشاء خلفه هذا اليوم ، وبانه سيعتكف بعدها في المسجد طوال الليل يصلي ويشكر الله على نعمته ، ووعده بانه سيتبرع للمسجد بثلث المبلغ الكبير شكرا لله وحمدا له على نعمته.
اما الامام الخاشع فرحب به وشكر الله على أن هدى هذا الإنسان إلى صراطه المستقيم .
وما إن أذن المؤذن لصلاة العشاء حتى حضر الزوج الصلاة وصلى خلف الامام ، وبعد ان انصرف الجميع اعتكف في المسجد مع زمرة من المعتكفين ممن حلت بركات الله عليهم .
في تلك الاثناء كانت الزوجة تستمع الى ما جرى من فم الامام الخاشع وهي في أحضانه في سيارته الجديدة الثمينة ، تضحك ويضحك تحت ضوء البدر عند التلة المشرفة على المدينة .
                                                                  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق